Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

كتاب تاريخ الإستراتيجية للورنس فريدمان هو محاولة جادة للحصول على مكانة مرموقة في المكتبة العالمية. فالكتاب ليس فقط الأطول بين الأعمال التي ظهرت في السنوات الأخيرةحول تطور الإستراتيجية، بل أكثرها تنوعاً أيضاً.

أيمن محمد

مراجعة كتاب 'الإستراتيجية: تاريخ'""

"

عنوان الكتاب: الإستراتيجية، تاريخ  - Strategy, A history

المؤلف: لورنس فريدمان – Lawrence Freedman

دار النشر: Oxford University Press

سنة النشر: 2013

الصفحات: 768

مراجعة وتقديم: أيمن محمد

***

كتاب تاريخ الإستراتيجية للورنس فريدمان هو محاولة جادة للحصول على مكانة مرموقة في المكتبة العالمية. فالكتاب ليس فقط الأطول بين الأعمال التي ظهرت في السنوات الأخيرة حول تطور الإستراتيجية، بل أكثرها تنوعاً أيضاً. الكتاب يأتي على شكل حصيلة، وهو تقريبًا شهادة على تجربة حياة، وانعكاس لمهنة مؤلفه. وكما يبدو أن التصميم الكبير للكتاب يتبع مقولة كلاوسويتز، والتي مفادها أن أفضل استراتيجية في الحرب هي أن تكون قوياً جدًا، ابتداء بشكل عام، ومن ثم عند النقطة الحاسمة. 

هو كتاب تاريخ موسوعي ومرجعي بامتياز حول فكرة الإستراتيجيا. والكتاب ليس "دليلاً إرشادياً" أو مجرد مجموعة من أحدث الأقوال عن الإستراتيجية التي تختلق في نهاية المطاف قاموساً مساعداً حول الشؤون الإستراتيجية، ولكنه غوص تحليلي جدي في تاريخ الاستراتيجية؛ بداياتها، والطرق المختلفة لتطبيقاتها، سواء تلك التي نجحت، أو التي لم تنجح كذلك.

قسم فريدمان كتابه إلى خمسة أجزاء:

الجزء الأول يستهله بالحديث عن الإستراتيجية في "عصور ما قبل التاريخ"، وأصولها في العالم القديم (الصفحات 1-65)؛ يتبعه الجزء الثاني، والذي ينظر في تطور الاستراتيجية العسكرية، بما في ذلك الاستراتيجية النووية من منظور فريدمان (الصفحات 67-244)؛ الجزء الثالث يبحث في "الإستراتيجية من الأسفل" أو الإستراتيجية السياسية، مع التركيز على المستضعفين، وفيه يتحدث عن الثوري والمحروم (الصفحات 245-456)؛ بينما يتناول الجزء الرابع "الإستراتيجية من الأعلى" أو استراتيجية الشراكة، والتي هي مزيج من التغيير الثقافي والنظرية الاجتماعية (الصفحات 457-572)؛ أما الجزء الختامي القصير، فيبحث في إمكانيات إيجاد نظرية إستراتيجية في ضوء العلوم الاجتماعية المعاصرة، وفي كيفية التفكير في الاستراتيجية في وقتنا الراهن (الصفحات 573-629).

يعتبر فريدمان في هذا الكتاب، أن الإستراتيجية لا تطال فقط الاستراتيجية العسكرية - فهي في الواقع مجال واسع - ولكنها تحتضن كل مجال من مجالات النشاط الإستراتيجي المعروف للإنسان، أو فعلياً لكل الجبابرة. وهو لذلك يبدأ كتابه بتحليل التطور والسلوك الاستراتيجي للشمبانزي، ثم يمر على الإنجيل، والإغريق، وصن تزو، وهنيبعل، ومكيافيلي، وشيطان جون ميلتون في ملحمته الشهيرة "الجنة المفقودة"، باحثاً في كل عملية تقص يجريها عن المعاني الإستراتيجية الحقيقية، وعن المعاني الإستراتيجية المفقودة أيضاً. ويوضح فريدمان أن هؤلاء المنظرين قد أثروا في بعضهم البعض، على الرغم من أن أعمالهم قد تكون نابعة من مجالات مختلفة. لكنها في نهاية المطاف، قد أفضت في مجملها إلى انتشار المصطلحات العسكرية والتفكير إستراتيجياً في التعامل مع قضايا عملية وسياسية متعددة.

يلاحظ فريدمان أن كلمة "إستراتيجية" هذه الأيام أصبحت تستخدم بطريقة ممجوجة. على الرغم من أن مصطلح الإستراتيجية يأتي من الكلمة اليونانية "Strategos" أي "فن العام" (the art of the general)، إلا أنه لم يتم استخدام المصطلح في الدوائر العسكرية إلا في أواخر القرن الثامن عشر. ففي عصر التنوير، استحوذ مفهوم الاستراتيجية على فكرة تفاؤلية، مفادها أن تطبيقات العقل والعلم طورت الامكانية والقابلية للتحكم بالمستقبل. يمثّل نابليون وورثته المثقفين من أمثال أنطوان هنري جوميني وكارل فون كلوزويتز، التجسيد الأفضل لهذا المعنى، بحسب فريدمان.

يعرف فريدمان الإستراتيجية في كتابه هذا أنها "فن خلق القوة، وهو فن يصعب إتقانه أو الإمساك به". ويضيف فريدمان: "على الرغم أنه من الجيد أن يكون لديك شيئاً كهذا، إلا أنه من الصعب جداً امتلاكه". يلتقط بذلك صدى كلوزويتز، الذي لا يزال بعد ما يقرب من قرنين من وفاته، يمثل السلطة المعرفية الأبرز في هذا المجال. لقد ذكر كلوزويتز سابقاً: "كل شيء في الحرب بسيط للغاية، لكن الأمور البسيطة، هي أصعب شيئ على الإطلاق". لذا يحذر فريدمان: "إن عالم الإستراتيجية مليء بخيبات الأمل والإحباطات، حيث الوسائل لا تعمل دائماً، والأهداف لا تتحقق كما ينبغي".

الإستراتيجية، عند فريدمان، هي آلية للتأقلم أكثر من كونها تأكيد للسيطرة الكاملة. فالاستراتيجيات - من وجهة نظره - ليست خططًا صارمة ليتم اتباعها بشكل حرفي، لكنها تدور في فلك حساب المعادلات الدقيقة للنتائج المرجوة والوسائل المتاحة؛ الاستخدام السليم لتلك الوسائل يجب أن يمضي قدماً نحو الهدف المتمثل في النتائج المرجوة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما سيحدث بمجرد الوصول إلى المرحلة التالية. يفترض فريدمان أن هذه الإستراتيجية "تدور حول الحصول على توازن معين في موقف ما، أكثر مما يوحي به ميزان القوة المبدئي". ولذلك، بحسب فريدمان دائماً، ينبغي التيقظ في جميع البيئات، العسكرية أو السياسية أو في الشراكة، إلى المتدرج، والمؤقت، والشاذ، والمشروط.

تبدأ الإستراتيجية من منظور فريدمان بوضعٍ قائمٍ، وتكتسب معنىً فقط من خلال إدراك كيف يمكن أن تكون الأمور مختلفة، للأفضل أو الأسوأ. هذا الرأي مختلف تمامًا عن تلك الآراء التي تفترض أن الاستراتيجية يجب أن تكون قائمة على خطة متعلقة بكيفية الوصول إلى هدف مسبق. وهنا يوضح فريدمان الفرق بين الخطة والاستراتيجية، ويحذر من الخلط بينهما. فالإستراتيجية تأخذ دائماً في الحسبان القوى الخارجية التي تعترض نشاط الفرد أو الجماعة خلال عمليات السعي نحو تحقيق النتائج المرجوة. بينما الخطة، هي عملية تنفيذ متسلسلة للأحداث المحددة سلفًا. ويعتقد فريدمان أن الاستراتيجيات طويلة الأجل والمعقدة هي غير مجدية، ذلك أن أحداث الصدفة وعوامل المفاجأة، تُدخل دوماً متغيرات غير متوقعة على بيئة العمل، ما يمكن أن ينتج عنه خيبات أمل مدمرة.

وقد تكون الإستراتيجية الأكثر أهمية بحسب فريدمان، تلك التي تتعلق بكيفية التعامل مع بعض الأزمات الرهيبة أو لمنع المزيد من التدهور في مواقف حرجة بالفعل. ولذلك فإن الشرط الأول للإستراتيجية هو البقاء. وهذا هو السبب - من وجهة نظر المؤلف - في أن الأفضل من الناحية العملية أن نفهم الإستراتيجية بشكل مرن ومتواضع أيضاً، باعتبارها انتقالاً إلى "المرحلة التالية"، بدلاً من الاستنتاجات القطعية والنهائية. والمرحلة التالية هي المكان الذي يمكن الوصول إليه بشكل واقعي انطلاقاً من المرحلة الحالية. قد لا يكون هذا المكان أفضل بالضرورة، لكنه سيظل تحسينًا لما كان يمكن تحقيقه باستراتيجية أقل أو بدون استراتيجية على الإطلاق.

يعتبر فريدمان "أن الكثير من الخطط الاستراتيجية هي في كثير من الأحيان مجرد "فانتازيا" إدارية. تتجاوز بكثير القدرات التنظيمية، وتقوم بتحديد الأهداف كما لو أنه بالإمكان التنبؤ بالمستقبل. وفي هذه الحالة، فإن معظم الجهود محكوم عليها بالفشل، بسبب الفجوات التي لا مفر منها بين التخطيط والتنفيذ، الوسائل والغايات، الإدارة والتنظيم، النظام والفوضى".

هذ الكتاب هو استعراض واسع لكل المعارف ذات الصلة بالموضوع. وكيفية تعبئة تلك المعارف واكتسابها وعرضها وتطبيقها واستخدامها وكيفية سوء استخدامها أيضاً. بعبارة أخرى، يتعلق الأمر بالعلاقة بين النظرية والتطبيق، والنظريات كشكل من أشكال الممارسة، كما يقول فريدمان نفسه: "توفر الإستراتيجية طريقًا إلى مجموعة كاملة من الخطابات: الصياغات المجردة عن معنى التصرف بعقلانية، والتأملات الما بعد حداثوية عن الهيمنة والمقاومة؛ الأطروحات حول السببية، والرؤى عن عمل الدماغ البشري؛ والنصائح العملية عن أفضل السبل لإحكام السيطرة على الأعداء في المعركة، وتقويض المنافسين في الانتخابات، وإطلاق منتج جديد في السوق. وقد عالج الإستراتيجيون كفاءة أشكال مختلفة من الإكراه وكذلك الإغراءات، وتفاعلات الطبيعة البشرية تحت الضغط، وتنظيم مجموعات كبيرة من الناس لاتخاذ خطوة معينة، وتقنيات التفاوض، ورؤى المجتمع الصالح، ومعايير السلوك الأخلاقي الحسن". هذا كله ليس شيئًا إن لم يكن هناك وجهة نظر رحبة للميدان؛ وهذا ما يؤكده فريدمان في مقترحاته الأساسية، وهي أن الاستراتيجية ليست مجرد مسألة عنف منظم أو إكراه، ولكنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحدس ومداولات وإقناع. العقلانية، لذلك، ليست كافية، فالاختيار العقلاني هو التفكير بالتمني. قد يكون بطل هذا الكتاب هو توماس شيلينج، الذي تم تقديمه على أنه أفضل المفكرين الاستراتيجيين، والذي أعد أطروحة "عقلانية اللاعقلانية" و"التهديد الذي يترك شيئًا للصدفة".

يقود عرض فريدمان السخي لموضوعه، إلى طرح عدد من الأفكار المثيرة للاهتمام على طول الطريق. فهو يحذر من أولئك الذين يسلكون طريقًا مزدوجًا نحو الاستراتيجية؛ ذلك أن خداع الآخرين قد يعمل في المرات القليلة الأولى، لكنه في نهاية الأمر سيصطدم بمواجهة مصير العوائد المتناقصة. يستدل فريدمان لإثبات وجهة نظره بالشخصية اليونانية القديمة، أوديسيوس، "أولئك الذين عرفوا  سمعة أوديسيوس، كانوا نادراً ما يثقون به حتى عندما كان مستقيماً". يربط فريدمان هذا بالفيلسوف الصيني صن تزو، الذي انتشرت نظرياته في الإستراتيجيا منذ ثمانينات القرن الماضي حتى يومنا هذا بشكل مهول؛ والذي كانت فلسفته قائمة على الازدواجية.ينطلق تزو من نظرية تفيد بلزوم القيام بالأفعال المعاكسة لما يمكن أن يتوقعه الخصوم، ودفعهم إلى الاعتقاد بنقيض ما هو عليه واقع الحال. لكن فريدمان يعترض، معتبراً أن "المشاكل ستكون أكبر حين يمتلك الخصوم القدرة على النفاذ إلى مصادر أفضل، أو حينما  تتوفر لديهم القدرة على التأهب والتصرف بذكاء وشجاعة". مع ذلك، لا يتنكر فريدمان لجدوائية الخداع بالمطلق، بل يعتقد أنه مفيد في ظروف معينة، خصوصاً حين تكون القرارات سائلة، والحركة سريعة، وغير مألوفة، وغير مؤكدة بالنسبة للخصم. فذلك بحسب فريدمان: "يتيح القدرة على التكيف باستمرار مع الأحداث المتغيرة، ويخلق مرونة كافية لاستيعاب ما هو غير متوقع".

ويرى فريدمان بإن الاستراتيجية الأكثر استخدامًا بدافع الضرورة، هي تلك التي ينتهجها المستضعفون. وأولئك هم الأشخاص أو المجموعات التي تم التفوق عليهم في البداية، ومن ثم تحتم عليهم استخدام الموارد المحدودة بعبقرية ما، والعمل بأسلوب ذكي لتحقيق نتيجة معينة. ويضرب فريدمان بعض الأمثلة على المستضعفين كالثوار السياسيين من طراز كارل ماركس وميخائيل باكونين، أو قادة الحقوق المدنية مثل مارتن لوثر كينغ والمهاتما غاندي. هؤلاء جميعاً أدمجوا شكلاً من أشكال النهوض بالجماهير، من خلال ابتكار سرديات مقنعة تتطلب التغيير، والذي يعتبر بحد ذاته خطوة إستراتيجية، ثم عملوا على تنفيذ إستراتيجية لتحقيق نصر ما، إما من خلال الإطاحة بالمؤسسة الحاكمة، أو من خلال الحصول على الحقوق المدنية المنشودة.

من الأفكار المثيرة للاهتمام أيضاً، ما ذكره المؤلف بأن افتراض أن "الليبرالية تطورت خلال القرن العشرين، ويمكن لها أن تفاخر بأنها قادرة على خلق الظروف المثلى لصنع الإستراتيجية"، يقودنا إلى تكهنات ضبابية حول النظرية الاستراتيجية وتطبيقاتها في ظل التوزيعات السياسية المختلفة والتشكيلات الأيديولوجية المتباينة. هذه مفاهيم موحية كما يقول؛ لكنها ليست مدروسة ومتطورة بما فيه الكفاية.

ما من شك أن فريدمان يتمتع بحس نقدي لاذع للسرديات الإستراتيجية، فمعظم "النصوص" والقصص بنظره تتسم بشيء من اللمسات المتواضعة. لذا، نراه يمر مروراً سريعاً على النظريات الكبرى والمنظرين العظام من خلال بضع صفحات. حتى كلاوسويتز على عظمته يحضر في الكتاب بما لا يزيد عن 10 صفحات. العلاجات المكثفة والمعقدة تُطرح أيضاً كملخصات سريعة. فمثلاً يقول فريدمان عن تجربة غيفارا: "ربما كان تشي جيفارا قائدًا جريئًا وشجاعًا، لكنه كان يفتقر إلى الحنكة السياسية، ودفع ثمناً باهظًا لنظرياته المبسطة. لم يقم أبدًا بتشكيل تحالفات سياسية فعالة، ولم يقدّر الحاجة إلى وجود زعيم محلي قوي ليكون الوجه العام للثورة، وبدلاً من ذلك، كان غيفارا يؤمن بسحره الخاص، كما لو أن وجود مقاتل مشهور من شأنه أن يلهم الشجاعة والثقة".

تمتلئ قصة الإستراتيجية من قبل منظريها وممارسيها بالكثير من الفشل والتشاؤم. ومن الصعب جداً تقديم صورة كاملة للواقع عند وضع استراتيجية ما للتطبيق خلال موقف معين. يقول فريدمان: "لا يوجد عقل بشري يمكنه فهم مجمل العوامل التي تحضر في اللعبة الإستراتيجية". ويعتقد فريدمان أنه لا يزال هناك فجوة بين الواقع الحقيقي والواقع المتصوَّر، فالثاني مرتبط حتماً بتفسيراتنا كوننا نرى الواقع كما نحن، لا كما هو. ولكن الثقة المبالغ بها في تصورنا عن الواقع، تزيد من تفاقم هذه الفجوة. وهذا ما يؤدي إلى تشويش الرؤية، ويبرز الفشل المتمثل في عدم القدرة على تطوير آليات لوصف الواقع بدقة متناهية تلحظ جميع المتغيرات والتحولات والانعطافات والإمكانيات، وهذه مهمة قد تكون شبه مستحيلة لأن البشر في طبيعتهم غير إستراتيجيين.

لقد كُتب الكثير عن هذا الكتاب، ولكن من أبرز ما كُتب هو الرؤية النقدية التي قدمها البروفيسور الراحل أليكس دانشيف من جامعة سانت أندروز، والذي سلط الضوء على نقطتين أساسيتين:

  1. أن الكثير من الجزء الأخير من الكتاب، يخاطر بتجاهل الإستراتيجية تمامًا، لأنه يصبح سلسلة من القراءات في أعمال الآخرين، بدلاً من أن يكون شيئًا ما قام به المؤلف نفسه. ويرى دانشيف أن فريدمان قد جال بقراءاته في فضاء واسع، من ماركس إلى ماكينزي، باكونين إلى بورنهام، فوكو إلى فورد، وقد تم حصادها من مجموعة ثرية من المصادر. إلا أن فريدمان يستثني شخصيات أساسية من الصعب تجاوزها في الحديث عن هذا المجال، مثل غي ديبورد، الخبير الاستراتيجي المرموق، وهو قارئ مخلص لكلوسويتز، والذي ابتكر أيضاً لعبة لوحية تسمى "لعبة الحرب". فمؤلف الكتاب كما يراه دانشيف، يميل إلى سعة العرض أكثر منه إلى العمق.
  2. هناك ثغرة أخرى يلحظها دانشيف، وهي أن فريدمان يدرك تمامًا الميل في بعض الدوائر إلى تحويل الإستراتيجية إلى سلسلة من القضايا التقنية والعملية، كما يلاحظ هو نفسه؛ ويقتبس مرتين من هيو ستراشان بأن الحرب هي "منطقة خالية من السياسة". ولكن، في بعض المواضع من هذا الكتاب، ما لا يخلو من الحسابات السياسية الواضحة، خاصةً حين يقترب فريدمان من الحاضر. فلا يوجد ذكر لتوني بلير، الذي كان فريدمان مستشاراً له  في السياسة الخارجية، وبالكاد يذكر جورج دبليو بوش همساً. والإشارات إلى حرب العراق قليلة ومتباعدة (وحميدة بحذر). إذا كان من شأن الإستراتيجية "أن تصنع المنطق"، فإن هذا المعنى يكاد يكون غائباً حين يتعلق الأمر بالحرب على العراق أو أفغانستان، أو الحرب الخاطئة على الإرهاب. وإذا كان فريدمان العالم بالشؤون الإستراتيجية والعارف الدقيق بأحوال الحروب المعاصرة يتجنب ذكرها، يتساءل دانشيف "من ذا الذي سيروي تفاصيل هذه الحروب ويحلل وجدواها الإستراتيجية"؟!.
"

كاتب فلسطيني